فصل: باب الخلافة والملك وقتال أهل البغي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


كتاب قتال أهل البغي

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‏.‏ من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له‏.‏ وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله‏.‏

 باب الخلافة والملك وقتال أهل البغي

 قال شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية قدس الله روحه الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا ‏[‏الله‏]‏ وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما‏.‏ أما بعد‏:‏ فهذه ـ قاعدة مختصرة في وجوب طاعة الله ورسوله ـ في كل حال على كل أحد وأن ما أمر الله به ورسوله من طاعة الله وولاة الأمور ومناصحتهم‏:‏ واجب، وغير ذلك من الواجبات قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 58‏]‏، وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 59‏]‏، فأمر الله المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله وأولي الأمر منهم كما أمرهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل‏.‏ وأمرهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله والرسول‏.‏ قال العلماء‏:‏ الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه والرد إلى الرسول بعد موته هو الرد إلى سنته، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 213‏]‏، فجعل الله الكتاب الذي أنزله هو الذي يحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه‏.‏ وفي صحيح مسلم وغيره عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي بالليل يقول‏:‏ ‏(‏اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون‏:‏ اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم‏)‏ وفي صحيح مسلم عن تميم الداري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة قالوا‏:‏ لمن يا رسول الله قال‏:‏ لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم‏)‏ وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إن الله يرضى لكم ثلاثا، أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم‏)‏ وفي السنن من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وزيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏نضر الله امرأ سمع منا حديثا فبلغه إلى من لم يسمعه فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ورب حامل فقه غير فقيه‏.‏ ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم‏:‏ إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمور ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم‏)‏‏.‏ و ‏[‏يغل‏]‏ بالفتح هو المشهور ويقال‏:‏ غلى صدره فغل إذا كان ذا غش وضغن وحقد أي قلب المسلم لا يغل على هذه الخصال الثلاثة وهي الثلاثة المتقدمة في قوله‏:‏ ‏(‏إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا‏.‏ وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم‏)‏ فإن الله إذا كان يرضاها لنا لم يكن قلب المؤمن الذي يحب ما يحبه الله يغل عليها يبغضها ويكرهها فيكون في قلبه عليها غل، بل يحبها قلب المؤمن ويرضاها‏.‏ وفي صحيح البخاري ومسلم وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا وعلى أن لا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول أو نقوم بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم‏)‏ وفي الصحيحين أيضا عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة‏)‏ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك‏)‏‏.‏ ومعنى قوله ‏(‏وأثرة عليك‏)‏ ‏(‏وأثرة علينا‏)‏ أي وإن استأثر‏:‏ ولاة الأمور عليك فلم ينصفوك ولم يعطوك حقك، كما في الصحيحين عن أسيد بن حضير رضي الله عنه، أن رجلا من الأنصار خلا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ألا تستعملني كما استعملت فلانا ‏؟‏ فقال‏:‏ ‏(‏إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض‏)‏‏.‏ وهذا كما في الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنها تكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها‏)‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم‏)‏ وفي صحيح مسلم عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال‏:‏ سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعونا حقنا‏:‏ فما تأمرنا ‏؟‏ فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض، ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فحدثه الأشعث بن قيس قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم‏)‏‏.‏ فذلك ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم‏:‏ هو واجب على المسلم، وإن استأثروا عليه‏.‏ وما نهى الله عنه ورسوله من معصيتهم‏:‏ فهو محرم عليه، وإن أكره عليه‏.‏

 فصل

وما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم واجب على الإنسان وإن لم يعاهدهم عليه وإن لم يحلف لهم الأيمان المؤكدة كما يجب عليه الصلوات الخمس والزكاة والصيام وحج البيت‏.‏ وغير ذلك مما أمر الله به ورسوله من الطاعة، فإذا حلف على ذلك كان ذلك توكيدا وتثبيتا لما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم‏.‏ فالحالف على هذه الأمور لا يحل له أن يفعل خلاف المحلوف عليه سواء حلف بالله أو غير ذلك من الأيمان التي يحلف بها المسلمون، فإن ما أوجبه الله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم واجب وإن لم يحلف عليه، فكيف إذا حلف عليه وما نهى الله ورسوله عن معصيتهم وغشهم محرم وإن لم يحلف على ذلك‏.‏ وهذا كما أنه إذا حلف ليصلين الخمس وليصومن شهر رمضان أو ليقضين الحق الذي عليه ويشهدن بالحق‏:‏ فإن هذا واجب عليه وإن لم يحلف عليه فكيف إذا حلف عليه وما نهى الله عنه ورسوله من الشرك والكذب وشرب الخمر والظلم والفواحش وغش ولاة الأمور والخروج عما أمر الله به من طاعتهم‏:‏ هو محرم، وإن لم يحلف عليه فكيف إذا حلف عليه ولهذا من كان حالفا على ما أمر الله به ورسوله من طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم أو الصلاة أو الزكاة أو صوم رمضان أو أداء الأمانة والعدل ونحو ذلك‏:‏ لا يجوز لأحد أن يفتيه بمخالفة ما حلف عليه والحنث في يمينه، ولا يجوز له أن يستفتي في ذلك‏.‏ ومن أفتى مثل هؤلاء بمخالفة ما حلفوا عليه والحنث في أيمانهم‏:‏ فهو مفتر على الله الكذب مفت بغير دين الإسلام، بل لو أفتى آحاد العامة بأن يفعل خلاف ما حلف عليه من الوفاء في عقد بيع أو نكاح أو إجارة أو غير ذلك مما يجب عليه الوفاء به من العقود التي يجب الوفاء بها وإن لم يحلف عليها فإذا حلف كان أوكد فمن أفتى مثل هذا بجواز نقض هذه العقود‏.‏ والحنث في يمينه‏:‏ كان مفتريا على الله الكذب مفتيا بغير دين الإسلام فكيف إذا كان ذلك في معاقدة ولاة الأمور التي هي أعظم العقود التي أمر الله بالوفاء بها‏.‏ وهذا كما أن جمهور العلماء يقولون‏:‏ يمين المكره بغير حق لا ينعقد سواء كان بالله أو النذر أو الطلاق أو العتاق، وهذا مذهب مالك والشافعي وأحمد‏.‏ ثم إذا أكره ولي الأمر الناس على ما يجب عليهم من طاعته ومناصحته وحلفهم على ذلك‏:‏ لم يجز لأحد أن يأذن لهم في ترك ما أمر الله به ورسوله من ذلك ويرخص لهم في الحنث في هذه الأيمان، لأن ما كان واجبا بدون اليمين فاليمين تقويه، لا تضعفه، ولو قدر أن صاحبها أكره عليها‏.‏ ومن أراد أن يقول بلزوم المحلوف مطلقا في بعض الأيمان، لأجل تحليف ولاة الأمور أحيانا‏.‏ قيل له‏:‏ وهذا يرد عليك فيما تعتقده في يمين المكره، فإنك تقول‏:‏ لا يلزم وإن حلف بها ولاة الأمور‏.‏ ويرد عليك في أمور كثيرة تفتي بها في الحيل، مع ما فيه من معصية الله تعالى ورسوله وولاة الأمور‏.‏ وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى الله عنه من معصية ولاة الأمور وغشهم والخروج عليهم‏:‏ بوجه من الوجوه كما قد عرف من عادات أهل السنة والدين قديما وحديثا ومن سيرة غيرهم‏.‏ وقد ثبت في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدره‏)‏ قال‏:‏ وإن من أعظم الغدر‏.‏ يعني بإمام المسلمين‏.‏ وهذا حدث به عبد الله بن عمر لما قام قوم من أهل المدينة يخرجون عن طاعة ولي أمرهم، ينقضون بيعته‏.‏ وفي صحيح مسلم عن نافع قال جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال‏:‏ اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة‏.‏ فقال‏:‏ إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏من خلع يدا لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية‏)‏ وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس يخرج من السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية‏)‏ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏من خرج من الطاعة وفارق الجماعة، فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية‏)‏ وفي لفظ ‏(‏ليس من أمتي من خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يوفي لذي عهدها، فليس مني ولست منه‏)‏‏.‏

‏[‏فالأول‏]‏ هو الذي يخرج عن طاعة ولي الأمر، ويفارق الجماعة‏.‏ ‏[‏والثاني‏]‏ هو الذي يقاتل لأجل العصبية، والرياسة، لا في سبيل الله كأهل الأهواء‏:‏ مثل قيس ويمن‏.‏

‏[‏والثالث‏]‏ مثل الذي يقطع الطريق فيقتل من لقيه من مسلم وذمي، ليأخذ ماله وكالحرورية المارقين الذين قاتلهم علي بن أبي طالب الذي قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة‏)‏‏.‏ وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطاعة ولي الأمر، وإن كان عبدا حبشيا كما في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة‏)‏، وعن أبي ذر قال‏:‏ ‏(‏أوصاني خليلي أن اسمعوا وأطيعوا، ولو كان حبشيا مجدع الأطراف‏)‏ وعن البخاري‏:‏ ‏(‏ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة‏)‏ وفي صحيح مسلم عن أم الحصين رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة الوداع وهو يقول‏:‏ ‏(‏ولو استعمل عبدا يقودكم بكتاب الله اسمعوا وأطيعوا‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏عبد حبشي مجدع‏)‏ وفي صحيح مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك ‏؟‏ قال‏:‏ لا، ما أقاموا فيكم الصلاة لا، ما أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة‏)‏ وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال ‏{‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين‏.‏ الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا‏)‏ وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به‏)‏ وفي الصحيحين عن الحسن البصري قال‏:‏ عاد عبد الله بن زياد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه فقال له معقل‏:‏ إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏ما من أمير يلي من أمر المسلمين شيئا ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة‏)‏ وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم والمرأة راعية على بيت بعلها وهي مسئولة عنه‏.‏ والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته‏)‏ وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث جيشا وأمر عليهم رجلا، فأوقد نارا فقال‏:‏ ادخلوها‏.‏ فأراد الناس أن يدخلوها وقال الآخرون‏.‏ إنا فررنا منها فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوها‏:‏ ‏(‏لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة‏)‏ وقال للآخرين قولا حسنا، وقال‏:‏ ‏(‏لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف‏)‏‏.‏

 فصل

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون‏}‏ وقال الله تعالى ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 64‏]‏، ‏{‏من يطع الرسول فقد أطاع الله‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 65‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 31‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 66‏:‏ 68‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 69‏]‏‏.‏ فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله‏.‏

ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية والمال فإن أعطوه أطاعهم، وإن منعوه عصاهم‏:‏ فما له في الآخرة من خلاق‏.‏ وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم‏.‏ رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لآخذها بكذا وكذا فصدقه وهو غير ذلك ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يف‏)‏‏.‏

 

وقال قدس الله روحه‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين‏.‏ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما‏.‏

قاعدة

قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه - أو الملك - من يشاء‏)‏ لفظ أبي داود من رواية عبد الوارث والعوام ‏(‏تكون الخلافة ثلاثين عاما ثم يكون الملك‏)‏ ‏(‏تكون الخلافة ثلاثين سنة ثم تصير ملكا‏)‏ وهو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة وعبد الوارث بن سعيد والعوام بن حوشب وغيره عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أهل السنن‏:‏ كأبي داود وغيره واعتمد عليه الإمام أحمد وغيره في تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة وثبته أحمد، واستدل به على من توقف في خلافة علي، من أجل افتراق الناس عليه، حتى قال أحمد‏:‏ من لم يربع بعلي في الخلافة فهو أضل من حمار أهله، ونهى عن مناكحته وهو متفق عليه بين الفقهاء وعلماء السنة وأهل المعرفة والتصوف وهو مذهب العامة‏.‏ وإنما يخالفهم في ذلك بعض ‏[‏أهل‏]‏ الأهواء من أهل الكلام ونحوهم‏:‏ كالرافضة الطاعنين في خلافة الثلاثة أو الخوارج الطاعنين في خلافة الصهرين المنافيين‏:‏ عثمان وعلي أو بعض الناصبة النافين لخلافة علي أو بعض الجهال من المتسننة الواقفين في خلافته ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من هجرته وإلى عام ثلاثين سنة كان إصلاح ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي السيد بين فئتين من المؤمنين بنزوله عن الأمر عام إحدى وأربعين في شهر جمادى الأولى وسمي ‏[‏عام الجماعة‏]‏ لاجتماع الناس على ‏[‏معاوية‏]‏ وهو أول الملوك‏.‏ وفي الحديث الذي رواه مسلم‏:‏ ‏(‏ستكون خلافة نبوة ورحمة ثم يكون ملك ورحمة ثم يكون ملك وجبرية ثم يكون ملك عضوض‏)‏ وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور في السنن وهو صحيح‏:‏ ‏(‏إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة‏)‏‏.‏ ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين ‏[‏خلفاء‏]‏ وإن كانوا ملوكا، ولم يكونوا خلفاء الأنبياء بدليل ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏كانت بنو إسرائيل يسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وإنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء فتكثر، قالوا فما تأمرنا ‏؟‏ قال‏:‏ فوا ببيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم‏)‏‏.‏ فقوله‏:‏ ‏(‏فتكثر‏)‏ دليل على من سوى الراشدين فإنهم لم يكونوا كثيرا‏.‏ وأيضا قوله‏:‏ ‏(‏فوا ببيعة الأول فالأول‏)‏ دل على أنهم يختلفون، والراشدون لم يختلفوا‏.‏ وقوله‏:‏ ‏(‏فأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم‏)‏ دليل على مذهب أهل السنة، في إعطاء الأمراء حقهم، من المال والمغنم‏.‏ وقد ذكرت في غير هذا الموضوع أن مصير الأمر إلى الملوك ونوابهم من الولاة، والقضاة والأمراء ليس لنقص فيهم فقط بل لنقص في الراعي والرعية جميعا، فإنه ‏(‏كما تكونون يولى عليكم‏)‏ وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 129‏]‏، وقد استفاض وتقرر في غير هذا الموضع ما قد أمر به صلى الله عليه وسلم من طاعة الأمراء في غير معصية الله، ومناصحتهم والصبر عليهم في حكمهم وقسمهم، والغزو معهم والصلاة خلفهم ونحو ذلك من متابعتهم في الحسنات التي لا يقوم بها إلا هم، فإنه من باب التعاون على البر والتقوى، وما نهى عنه من تصديقهم بكذبهم وإعانتهم على ظلمهم وطاعتهم في معصية الله ونحو ذلك، مما هو من باب التعاون على الإثم والعدوان، وما أمر به أيضا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏:‏ لهم ولغيرهم على الوجه المشروع، وما يدخل في ذلك من تبليغ رسالات الله إليهم، بحيث لا يترك ذلك جبنا ولا بخلا ولا خشية لهم ولا اشتراء للثمن القليل بآيات الله، ولا يفعل أيضا للرئاسة عليهم ولا على العامة ولا للحسد ولا للكبر ولا للرياء لهم ولا للعامة‏.‏ ولا يزال المنكر بما هو أنكر منه‏.‏ بحيث يخرج عليهم بالسلاح، وتقام الفتن كما هو معروف من أصول أهل السنة والجماعة كما دلت عليه النصوص النبوية، لما في ذلك من الفساد الذي يربو على فساد ما يكون من ظلمهم، بل يطاع الله فيهم وفي غيرهم ويفعل ما أمر به ويترك ما نهى عنه‏.‏ وهذه جملة تفصيلها يحتاج إلى بسط كثير والغرض هنا بيان جماع الحسنات والسيئات الواقعة بعد خلافة النبوة‏:‏ في الإمارة وفي تركها، فإنه مقام خطر، وذلك أن خبره بانقضاء ‏[‏خلافة النبوة‏]‏ فيه الذم للملك والعيب له، لا سيما وفي حديث أبي بكرة‏:‏ أنه استاء للرؤيا وقال‏:‏ ‏(‏خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء‏)‏‏.‏ ثم النصوص الموجبة لنصب الأئمة والأمراء وما في الأعمال الصالحة التي يتولونها من الثواب‏:‏ حمد لذلك وترغيب فيه، فيجب تخليص محمود ذلك من مذمومه وفي حكم اجتماع الأمرين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن الله خيرني بين أن أكون عبدا رسولا وبين أن أكون نبيا ملكا فاخترت أن أكون عبدا رسولا‏)‏ فإذا كان الأصل في ذلك شوب الولاية، من الإمارة والقضاء والملك‏:‏ هل هو جائز في الأصل والخلافة مستحبة ‏؟‏ أم ليس بجائز إلا لحاجة من نقص علم أو نقص قدرة بدونه ‏؟‏ فنحتج بأنه ليس بجائز في الأصل بل الواجب خلافة النبوة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فكل بدعة ضلالة‏)‏ بعد قوله‏:‏ ‏(‏من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا‏)‏ فهذا أمر وتحضيض على لزوم سنة الخلفاء وأمر بالاستمساك بها وتحذير من المحدثات المخالفة لها وهذا الأمر منه والنهي‏:‏ دليل بين في الوجوب‏.‏ ثم اختص من ذلك قوله‏:‏ ‏(‏اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر‏)‏ فهذان أمر بالاقتداء بهما والخلفاء الراشدون أمر بلزوم سنتهم‏.‏ وفي هذا تخصيص للشيخين من وجهين أحدهما‏:‏ أن ‏[‏السنة‏]‏ ما سنوه للناس‏.‏ وأما ‏[‏القدوة‏]‏ فيدخل فيها الاقتداء بهما فيما فعلاه مما لم يجعلوه سنة، الثاني‏:‏ أن السنة أضافها إلى الخلفاء، لا إلى كل منهم‏.‏ فقد يقال‏:‏ أما ذلك فيما اتفقوا عليه، دون ما انفرد به بعضهم‏.‏ وأما القدوة فعين القدوة بهذا وبهذا‏.‏ وفي هذا الوجه نظر‏.‏ ويستفاد من هذا‏.‏ أن ما فعله عثمان وعلي من الاجتهاد الذي سبقهما بما هو أفضل منه أبو بكر وعمر ودلت النصوص وموافقة جمهور الأمة على رجحانه وكان سببه افتراق الأمة‏:‏ لا يؤمر بالاقتداء بهما فيه، إذ ليس ذلك من سنة الخلفاء، وذلك أن أبا بكر وعمر ساسا الأمة بالرغبة والرهبة وسلما من التأويل في الدماء والأموال‏.‏ وعثمان رضي الله عنه غلب الرغبة وتأول في الأموال‏.‏ وعلي غلب الرهبة وتأول في الدماء‏.‏ وأبو بكر وعمر كمل زهدهما في المال والرياسة‏.‏ وعثمان كمل زهده في الرياسة‏.‏ وعلي كمل زهده في المال‏.‏ وأيضا فكون النبي صلى الله عليه وسلم استاء للملك بعد خلافة النبوة دليل على أنه متضمن ترك بعض الدين الواجب‏.‏ وقد يحتج من يجوز ‏[‏الملك‏]‏ بالنصوص التي منها قوله لمعاوية‏:‏ ‏(‏إن ملكت فأحسن‏)‏ ونحو ذلك وفيه نظر‏.‏ ويحتج بأن عمر أقر معاوية لما قدم الشام على ما رآه من أبهة الملك لما ذكر له المصلحة فيه فإن عمر قال‏:‏ لا آمرك ولا أنهاك ويقال في هذا‏:‏ إن عمر لم ينهه، لا أنه أذن له في ذلك، لأن معاوية ذكر وجه الحاجة إلى ذلك ولم يثق عمر بالحاجة‏.‏ فصار محل اجتهاد في الجملة فهذان القولان متوسطان‏:‏ أن يقال‏:‏ الخلافة واجبة وإنما يجوز الخروج عنها بقدر الحاجة‏.‏ أو أن يقال‏:‏ يجوز قبولها من الملك بما ييسر فعل المقصود بالولاية ولا يعسره، إذ ما يبعد المقصود بدونه لا بد من إجازته وأما ‏[‏ملك‏]‏ فإيجابه أو استحبابه محل اجتهاد‏.‏ وهنا طرفان أحدهما‏:‏ من يوجب ذلك في كل حال وزمان وعلى كل أحد ويذم من خرج عن ذلك مطلقا أو لحاجة كما هو حال أهل البدع من الخوارج والمعتزلة وطوائف من المتسننة والمتزهدة، والثاني‏:‏ من يبيح الملك مطلقا، من غير تقيد بسنة الخلفاء، كما هو فعل الظلمة والإباحية وأفراد المرجئة‏.‏ وهذا تفصيل جيد وسيأتي تمامه‏.‏ وتحقيق الأمر أن يقال‏:‏ انتقال الأمر عن خلافة النبوة إلى الملك‏:‏ إما أن يكون لعجز العباد عن خلافة النبوة أو اجتهاد سائغ أو مع القدرة على ذلك علما وعملا، فإن كان مع العجز علما أو عملا كان ذو الملك معذورا في ذلك‏.‏ وإن كانت خلافة النبوة واجبة مع القدرة، كما تسقط سائر الواجبات مع العجز كحال النجاشي لما أسلم وعجز عن إظهار ذلك في قومه، بل حال يوسف الصديق تشبه ذلك من بعض الوجوه، لكن الملك كان جائزا لبعض الأنبياء كداود وسليمان ويوسف‏.‏ وإن كان مع القدرة علما وعملا وقدر أن خلافة النبوة مستحبة ليست واجبة وأن اختيار الملك جائز في شريعتنا كجوازه في غير شريعتنا‏:‏ فهذا التقدير إذا فرض أنه حق فلا إثم على الملك العادل أيضا‏.‏ وهذا الوجه قد ذكره القاضي أبو يعلى في ‏[‏المعتمد‏]‏ لما تكلم في تثبيت خلافة معاوية وبنى ذلك على ظهور إسلامه وعدالته وحسن سيرته وأنه ثبتت إمامته بعد موت علي لما عقدها الحسن له وسمي ذلك ‏[‏عام الجماعة‏]‏ وذكر حديث عبد الله بن مسعود‏:‏ ‏(‏تدور رحا الإسلام على رأس خمس وثلاثين‏)‏ قال‏:‏ قال أحمد في رواية ابن الحكم‏:‏ يروي عن الزهري أن معاوية كان أمره خمس سنين لا ينكر عليه شيء، فكان هذا على حديث النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏خمس وثلاثين سنة‏)‏‏:‏ قال ابن الحكم‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ من قال حديث ابن مسعود ‏(‏تدور رحا الإسلام لخمس وثلاثين‏)‏ إنها من مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ قال‏:‏ لقد أخبر هذا وما عليه أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يصف الإسلام بسير هو بالجناية إنما يصف ما يكون بعده من السنين‏.‏ قال‏:‏ وظاهر هذا من كلام أحمد أنه أخذ بظاهر الحديث، وأن خلافة معاوية كانت من جملة الخمس والثلاثين وذكر أن رجلا سأل أحمد عن الخلافة فقال‏:‏ كل بيعة كانت بالمدينة فهي خلافة نبوة لنا‏.‏ قال القاضي‏:‏ وظاهر هذا‏:‏ أن ما كان بغير المدينة لم يكن خلافة نبوة‏.‏ قلت‏:‏ نصوص أحمد على أن الخلافة تمت بعلي كثيرة جدا‏.‏ ثم عارض القاضي ذلك بقوله‏:‏ ‏(‏الخلافة ثلاثون سنة ثم تصير ملكا‏)‏ قال السائل‏:‏ فلما خص الخلافة بعده بثلاثين سنة‏:‏ كان آخرها آخر أيام علي وأن بعد ذلك يكون ملكا‏:‏ دل على أن ذلك ليس بخلافة فأجاب القاضي‏:‏ بأنه يحتمل أن يكون المراد به ‏[‏الخلافة‏]‏ التي لا يشوبها ملك بعده ‏[‏ثلاثون سنة‏]‏ وهكذا كانت خلافة الخلفاء الأربعة‏.‏ ومعاوية‏:‏ قد شابها الملك، وليس هذا قادحا في خلافته، كما أن ملك سليمان لم يقدح في نبوته وإن كان غيره من الأنبياء فقيرا‏.‏ قلت‏:‏ فهذا يقتضي أن شوب الخلافة بالملك جائز في شريعتنا وأن ذلك لا ينافي العدالة وإن كانت الخلافة المحضة أفضل‏.‏ وكل من انتصر لمعاوية وجعله مجتهدا في أموره ولم ينسبه إلى معصية‏:‏ فعليه أن يقول بأحد القولين‏:‏ إما جواز شوبها بالملك أو عدم اللوم على ذلك فيتجه إذا قال إن خلافة النبوة واجبة، فلو قدر فإن عمل سيئة فكبيرة وإن كان دينا، أو لأن الفاسق من غلبت سيئاته حسناته، وليس كذلك وهذا رحمته بالملوك العادلين، إذ هم في الصحابة من يقتدى به‏.‏ وأما أهل البدع كالمعتزلة‏:‏ فيفسقون معاوية لحرب علي وغير ذلك، بناء على أنه فعل كبيرة وهي توجب التفسيق فلا بد من منع إحدى المقدمتين‏.‏ ثم إذا ساغ هذا للملوك‏:‏ ساغ للقضاة والأمراء ونحوهم‏.‏ وأما إذا كانت خلافة النبوة واجبة وهي مقدورة، وقد تركت‏:‏ فترك الواجب سبب للذم والعقاب‏.‏ ثم هل تركها كبيرة أو صغيرة ‏؟‏ إن كان صغيرة لم يقدح في العدالة وإن كان كبيرة ففيه القولان‏.‏ لكن يقال هنا‏:‏ إذا كان القائم بالملك والإمارة يفعل من الحسنات المأمور بها ويترك من السيئات المنهي عنها ما يزيد به ثوابه على عقوبة ما يتركه من واجب أو يفعله من محظور‏:‏ فهذا قد ترجحت حسناته على سيئاته، فإذا كان غيره مقصرا في هذه الطاعة التي فعلها مع سلامته عن سيئاته، فله ثلاثة أحوال إما أن يكون الفاضل من حسنات الأمير أكثر من مجموع حسنات هذا أو أقل‏.‏ فإن كانت فاضلة أكثر كان أفضل وإن كان أقل كان مفضولا وإن تساويا تكافآ‏.‏ هذا موجب العدل، ومقتضى نصوص الكتاب والسنة في الثواب والعقاب‏.‏ وهو مبني على قول من يعتبر الموازنة والمقابلة في الجزاء، وفي العدالة أيضا‏.‏ وأما من يقول‏:‏ إنه بالكبيرة الواحدة يستحق الوعيد، ولو كان له حسنات كثيرة عظيمة‏:‏ فلا يجيء هذا وهو قول طائفة من العلماء في العدالة‏.‏ والأول أصح على ما تدل عليه النصوص‏.‏ ويتفرع من هنا ‏[‏مسألة‏]‏ وهو ما إذا كان لا يتأتى له فعل الحسنة الراجحة إلا بسيئة دونها في العقاب‏:‏ فلها صورتان إحداهما‏:‏ إذا لم يمكن إلا ذلك فهنا لا يبقى سيئة فإن ما لا يتم الواجب، أو المستحب إلا به فهو واجب أو مستحب‏.‏ ثم إن كان مفسدته دون تلك المصلحة لم يكن محظورا كأكل الميتة للمضطر ونحو ذلك من الأمور المحظورة التي تبيحها الحاجات كلبس الحرير في البرد ونحو ذلك‏.‏ وهذا باب عظيم‏.‏ فإن كثيرا من الناس يستشعر سوء الفعل، ولا ينظر إلى الحاجة المعارضة له التي يحصل بها من ثواب الحسنة ما يربو على ذلك، بحيث يصير المحظور مندرجا في المحبوب أو يصير مباحا إذا لم يعارضه إلا مجرد الحاجة كما أن من الأمور المباحة، بل والمأمور بها إيجابا أو استحبابا‏:‏ ما يعارضها مفسدة راجحة تجعلها محرمة أو مرجوحة كالصيام للمريض وكالطهارة بالماء لمن يخاف عليه الموت كما قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏قتلوه قتلهم الله هلا سألوا إذا لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال‏)‏‏.‏ وعلى هذا الأصل يبنى جواز العدول أحيانا عن بعض سنة الخلفاء كما يجوز ترك بعض واجبات الشريعة وارتكاب بعض محظوراتها للضرورة، وذلك فيما إذا وقع العجز عن بعض سنتهم أو وقعت الضرورة إلى بعض ما نهوا عنه، بأن تكون الواجبات المقصودة بالإمارة لا تقوم إلا بما مضرته أقل‏.‏ وهكذا ‏[‏مسألة الترك‏]‏ كما قلناه أولا وبينا أنه لا يخالفه إلا أهل البدع ونحوهم من أهل الجهل والظلم‏.‏

والصورة الثانية‏:‏ إذا كان يمكن فعل الحسنات بلا سيئة، لكن بمشقة لا تطيعه نفسه عليها أو بكراهة من طبعه بحيث لا تطيعه نفسه إلى فعل تلك الحسنات الكبار المأمور بها إيجابا أو استحبابا إن لم يبذل لنفسه ما تحبه من بعض الأمور المنهي عنها التي إثمها دون منفعة الحسنة فهذا القسم واقع كثيرا‏:‏ في أهل الإمارة والسياسة والجهاد وأهل العلم والقضاء والكلام، وأهل العبادة والتصوف وفي العامة‏.‏ مثل من لا تطيعه نفسه إلى القيام بمصالح الإمارة - من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود وأمن السبل وجهاد العدو وقسمة المال - إلا بحظوظ منهي عنها من الاستئثار ببعض المال، والرياسة على الناس والمحاباة في القسم وغير ذلك من الشهوات وكذلك في الجهاد‏:‏ لا تطيعه نفسه على الجهاد إلا بنوع من التهور‏.‏ وفي العلم لا تطيعه نفسه على تحقيق علم الفقه وأصول الدين إلا بنوع من المنهي عنه من الرأي والكلام‏.‏ ولا تطيعه نفسه على تحقيق علم العبادة المشروعة والمعرفة المأمور بها إلا بنوع من الرهبانية‏.‏ فهذا القسم كثر في دول الملوك، إذ هو واقع فيهم وفي كثير من أمرائهم وقضاتهم وعلمائهم وعبادهم‏.‏ أعني أهل زمانهم‏.‏ وبسببه نشأت الفتن بين الأمة‏.‏ فأقوام نظروا إلى ما ارتكبوه من الأمور المنهي عنها، فذموهم وأبغضوهم‏.‏ وأقوام نظروا إلى ما فعلوه من الأمور المأمور بها فأحبوهم‏.‏ ثم الأولون ربما عدوا حسناتهم سيئات‏.‏ والآخرون ربما جعلوا سيئاتهم حسنات‏.‏ وقد تقدم أصل هذه المسألة وهو أنه إذا تعسر فعل الواجب في الإمارة إلا بنوع من الملك‏:‏ فهل يكون الملك مباحا كما يباح عند التعذر ‏؟‏ ذكرنا فيه القولين، فإن أقيم التعسر مقام التعذر‏:‏ لم يكن ذلك إثما وإن لم يقم كان إثما‏.‏ وأما ما لا تعذر فيه ولا تعسر‏:‏ فإن الخروج فيه عن سنة الخلفاء اتباع للهوى‏.‏ فالتحقيق أن الحسنات‏:‏ حسنات والسيئات‏:‏ سيئات وهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا‏.‏ وحكم الشريعة أنهم لا يؤذن لهم فيما فعلوه من السيئات ولا يؤمرون به‏.‏ ولا يجعل حظ أنفسهم عذرا لهم في فعلهم، إذا لم تكن الشريعة عذرتهم، لكن يؤمرون بما فعلوه من الحسنات ويحضون على ذلك، ويرغبون فيه‏.‏ وإن علم أنهم لا يفعلونه إلا بالسيئات المرجوحة، كما يؤمر الأمراء بالجهاد، وإن علم أنهم لا يجاهدون إلا بنوع من الظلم الذي تقل مفسدته بالنسبة إلى مصلحة الجهاد‏.‏ ثم إذا علم أنهم إذا نهوا عن تلك السيئات تركوا الحسنات الراجحة الواجبة لم ينهوا عنها، لما في النهي عنها من مفسدة ترك الحسنات الواجبة، إلا أن يمكن الجمع بين الأمرين فيفعل حينئذ تمام الواجب كما كان عمر بن الخطاب يستعمل من فيه فجور، لرجحان المصلحة في عمله، ثم يزيل فجوره بقوته وعدله‏.‏ ويكون ترك النهي عنها حينئذ‏:‏ مثل ترك الإنكار باليد أو بالسلاح إذا كان فيه مفسدة راجحة على مفسدة المنكر‏.‏ فإذا كان النهي مستلزما في القضية المعينة لترك المعروف الراجح‏:‏ كان بمنزلة أن يكون مستلزما لفعل المنكر الراجح كمن أسلم على أن لا يصلي إلا صلاتين كما هو مأثور عن ‏[‏بعض من أسلم على عهد‏]‏ النبي صلى الله عليه وسلم أو أسلم بعض الملوك المسلطين وهو يشرب الخمر أو يفعل بعض المحرمات ولو نهى عن ذلك ارتد عن الإسلام‏.‏ ففرق بين ترك العالم أو الأمير لنهي بعض الناس عن الشيء إذا كان في النهي مفسدة راجحة وبين إذنه في فعله‏.‏ وهذا يختلف باختلاف الأحوال‏.‏ ففي حال أخرى يجب إظهار النهي‏:‏ إما لبيان التحريم واعتقاده والخوف من فعله‏.‏ أو لرجاء الترك‏.‏ أو لإقامة الحجة بحسب الأحوال، ولهذا تنوع حال النبي صلى الله عليه وسلم في أمره ونهيه وجهاده وعفوه، وإقامته الحدود وغلظته ورحمته‏.‏

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى

 فصل

قد ذكرت فيما تقدم‏:‏ الكلام على ‏[‏الملك‏]‏‏:‏ هل هو جائز في شريعتنا ولكن خلافة النبوة مستحبة وأفضل منه ‏؟‏ أم خلافة النبوة واجبة ‏؟‏ وإنما تجويز تركها إلى الملك للعذر كسائر الواجبات ‏؟‏ تكلمت على ذلك‏.‏ وأما في شرع من قبلنا، فإن الملك جائز، كالغنى يكون للأنبياء تارة وللصالحين أخرى قال الله تعالى في داود‏:‏ ‏{‏وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 251‏]‏، وقال عن سليمان‏:‏ ‏{‏رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 35‏]‏، وقال عن يوسف‏:‏ ‏{‏رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 101‏]‏، فهؤلاء ثلاثة أنبياء أخبر الله أنه آتاهم الملك وقال‏:‏ ‏{‏أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 54، 55‏]‏، فهذا ملك لآل إبراهيم وملك لآل داود وقد قال مجاهد في قوله‏:‏ ‏{‏تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 26‏]‏، قال‏:‏ النبوة فجعل النبوة نفسها ملكا‏.‏ والتحقيق أن من النبوة ما يكون ملكا، فإن النبي له ثلاثة أحوال‏:‏ إما أن يكذب، ولا يتبع ولا يطاع‏:‏ فهو نبي لم يؤت ملكا‏.‏ وإما أن يطاع‏.‏ فنفس كونه مطاعا هو ملك، لكن إن كان لا يأمر إلا بما أمر به‏:‏ فهو عبد رسول ليس له ملك‏.‏ وإن كان يأمر بما يريده مباحا له ذلك بمنزلة الملك كما قيل لسليمان‏:‏ ‏{‏هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ ‏[‏ص‏:‏ 39‏]‏، فهذا نبي ملك‏.‏ فالملك هنا قسيم العبد الرسول كما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اختر إما عبدا رسولا وإما نبيا ملكا‏)‏‏.‏ وأما بالتفسير الأول وهو الطاعة والاتباع فقسم من النبوة والرسالة وهؤلاء أكمل‏.‏ وهو حال نبينا صلى الله عليه وسلم فإنه كان عبدا رسولا‏.‏ مؤيدا مطاعا متبوعا فأعطي فائدة كونه مطاعا متبوعا ليكون له مثل أجر من اتبعه ولينتفع به الخلق ويرحموا به‏.‏ ويرحم بهم‏.‏ ولم يختر أن يكون ملكا لئلا ينقص، لما في ذلك من الاستمتاع بالرياسة والمال ‏[‏عن‏]‏ نصيبه في الآخرة، فإن العبد الرسول أفضل عند الله من النبي الملك، ولهذا كان أمر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم‏:‏ أفضل من داود وسليمان‏.‏ ويوسف حتى إن من أهل الكتاب من طعن في نبوة داود وسليمان كما يطعن كثير من الناس في ولاية بعض أهل الرياسة والمال، وليس الأمر كذلك‏.‏ وأما ‏[‏الملوك الصالحون‏]‏ فقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوت‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 248‏]‏، وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 83، 84‏]‏الآية‏.‏ قال مجاهد‏:‏ ملك الأرض مؤمنان وكافران فالمؤمنان سليمان وذو القرنين، والكافران بختنصر ونمرود وسيملكها خامس من هذه الأمة‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 20‏]‏‏.‏ وأما ‏[‏جنس الملوك‏]‏ فكثيرة كقوله‏:‏ ‏{‏وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا‏}‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 79‏]‏، وقوله‏:‏ ‏{‏وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 43‏]‏‏.‏